رمي جمرة العقبة
فإذا وصلوا منى اتجهوا إلى جمرة العقبة لرميها، فإن رميها هو أول عمل يقوم به الحاج- إن أمكن- فإنه تحية منى والأولى أن لا يشتغل قبله بشيء وهو يوافق صلاة العيد في الأمصار ولذا ليس في منى صلاة عيد على الحجاج. فعن جابر رضي الله عنه قال: رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس .
فإذا وصلوا إلى الجمرة قطعوا التلبية قبل الشروع في رميها، فإنهم حينئذ شرعوا في التحلل، ثم يرمونها بسبع حصيات متعاقبات. ويستحب له عند رميها أن يجعل منى عن يمينه والكعبة عن يساره وجمرة العقبة أمامه ثم يرقيها بسبع حصيات متعاقبات يرفع يده مع كل حصاة ويكبر مع كل حصاة.
وينبغي أن يراعى في رمي الحصى ما يلي:
1- أن تكون كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم، ابن عباس بقوله: القط لي حصى. قال: فلقطت له مثل حصى الخذف . وحصى الخذف قريب في الحجم من حب الزيتون الذي ليس بكبير، وقريب من الأنملة وهي رأس إصبع اليد الذي فيه ظفر.
قلت: وفي الحديث: فجعل صلى الله عليه وسلم يقبضهن في كفه، ويقول: أمثال هؤلاء فارموا، ثم قال: أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين .
ومن الغلو الرمي بالحصى الكبار، والله يعلم كم يؤذون بها من عباده عند الرمي.
قلت: ومن الغلو رمي الجمرات بالحذاء ونحو ذلك.
2- أن يكون الرمي من جهة المرمى وهو الذي فيه الحوض فإن ذلك هو الأفضل، ولو رماها من الجهات الأخرى أجزأ إن وقع الحجر في المرمى.
3- أن يدنو من المرمى قدر المستطاع ليطمئن على وقوع الحجر في المرمى، ولو دحرجت الحصاة من الحوض فسقطت خارجه أجزأ ذلك عند جمع من أهل العلم.
4- وليحذر من أن يرقي الحجارة دفعة واحده، فإنهن يكن كالحجر الواحد، فلا بد من أن يرمي كل حجر وحده، يرفع يده عند رميه ويكبر مع كل حصاة، وإن شاء قال: اللهم اجعله حجا مبرورا، وسعيا مشكورا، وذنبا مغفورا.
5- وعليه بالرفق عند الرمي، والحذر من العنف، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يكون العنف في شيء إلا شانه، وإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه وليحذر من أذية المؤمنين أو التسبب في هلاك أحد، فإن الله تعالى قال: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا . ومن أعظم الموبقات التسبب في إهلاك نفس معصومة محرمة في البلد الحرام، وعليه أن يحتسب في تحمل أذى الجاهلين والصبر عليهم.
نحر الهدي
وبعد الرمي ينحر هديه- إن تيسر له ذلك- إن كان عليه هدي لكونه قارنا أو متمتعا. وينبغي أن يراعي في هديه:
أ- تحقق السنن الشرعية في الهدي بأن يكون جذعا من الضأن- وهو ما له ستة أشهر- أو ثنيا من المعز- وهو ما له سنة- وإن أراد أن يشترك مع غيره في بقرة أو بدنة فالثني من البقر ما تم له سنتان ودخل في الثالثة، ومن الإبل ما تم له خمس سنين ودخل في السادسة.
ب- أن تكون سليمة من العيوب التي تخل بالأضحية من عور بين أو عرج أو كسر قرن أو قطع أذن أو نحو ذلك.
جـ- أن تكون سمينة جميلة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر أصحابه أن يستسمنوا الأضاحي ويستحسنوها وأن يستشرفوا القرن والأذن للتأكد من سلامتها من العيوب.
ويستحب أن يقول عند نحره أو ذبحه: بسم الله والله أكبر اللهم هذا منك ولك اللهم تقبل مني رواه مسلم والبيهقي . ويوجهه إلى القبلة، فإن ذلك سنة، ولو ذبح إلى غير القبلة ترك السنة وأجزأته ذبيحته، ويستحب أن يأكل من هديه أو أضحيته، ويهدي ويتصدق لقوله تعالى: فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير .
ووقت الذبح أربعة أيام يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وينتهي بغروب الشمس يوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، ويجوز ذبح الهدي ليلا ليلة الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر فقط. وحيثما نحر من منى أو فجاج مكة جاز لقوله صلى الله عليه وسلم: كل منى منحر و كل فجاج مكة طريق ومنحر .
وكان منحره صلى الله عليه وسلم عند الجمرة الأولى بينها وبين الوسطى على يمين الصاعد إلى عرفة ومنزله بين منحره ومسجد الخيف. وقال: نحرت ها هنا ومنى كلها منحر و انحروا في رحالكم .
الحلق أو التقصير
ثم بعد النحر أو الذبح يحلق الرجل رأسه أو يقصره، والحلق أفضل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة والمغفرة للمحلقين ثلاث مرات، وللمقصرين واحدة، أما النساء فليس عليهن حلق إنما عليهن التقصير لما روى أبو داود بسند حسنه الحافظ عن ابن عباس رضي الله عنهما: ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير للترمذي وغيره عن علي رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها وتقصير المرأة أن تجمع شعرها ثم تأخذ من أطرافه قدر أنملة. وإن اختار التقصير فلا بد من أن يعم رأسه بالتقصير كالحلق، فلا يجزئ تقصير بعضه أو جوانبه.
وينبغي أن يأخذ من شاربه وأظفاره كذلك، إن احتاج إلى أخذ شيء من ذلك، قال ابن المنذر صح أنه صلى الله عليه وسلم : لما حلق رأسه قلم أظفاره ولأن هذه الأمور من التفث، فيستحب قضاؤه، قال تعالى؟ ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق .
وبعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير يكون قد تحلل التحلل الأول، الذي يحل للمحرم لبس ملابسه العادية، والطيب، وتغطية الرأس، وقلم الأظفار ونحو ذلك مما يحرم بالإحرام، إلا زوجته فإنه لا يحل له الجماع حتى يتحلل التحلل التام، بالطواف بالبيت والسعي إن كان عليه سعي.
الطواف والسعي
يسن له بعد هذا التحلل- وهو الأول- التطيب، والتوجه إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة أو الزيارة، لحديث عائشة- رضي الله عنها - قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت . رواه البخاري ومسلم. وهذا الطواف ركن الحج، لا يتم إلا به، وهو المراد بقوله سبحانه: ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق .
ثم بعد هذا الطواف يصلي خلف المقام- ولو بعيدا عنه- ركعتي الطواف، وإن لم يتيسر له صلى في أي جهة من الحرم ولو خارجه، ويستحب أن يشرب من زمزم بعد ذلك قبل السعي لفعله صلى الله عليه وسلم ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا أو لم يسع بعد طواف القدوم إن كان قارنا أو مفردا.
والقارن والمفرد يكفيهما طواف واحد- هو طواف الإفاضة أو الزيارة يوم العيد أو بعده- وسعي واحد إما بعد طواف القدوم قبل يوم عرفة، وإما بعد طواف الإفاضة.
وأما المتمتع فالجمهور على أنه يلزمه طواف وسعي لعمرته، وطواف وسعي لحجته، فيكون عليه طوافان وسعيان.